الخميس , أبريل 25 2024

نادية خلوف تكتب : عودة إلى الورق

منذ عدة سنوات، وبيني وبين الورق قطيعة قسريّة . العمل يأخذني من نفسي ، وتلك الشّاشة أمامي ، ومن خلالها أمارس عملي في مكتبي ، أو في منزلي.

عندما كان يشتدّ بي الحنين كنت أكتب اشتياقي على الورق ، وأركض في الصّباح مع العصافير إلى بحيرة الشّارقة، أرى الكثير من الذين أضناهم الشّوق  يقيمون صلاة العشق، ويمارسون  التأمّل ،وتفريغ الطّاقات السّلبية، بينما أنا أقف أمام البحيرة وجهاً لوجه أحدّثها عن الأشياء التي حملتها لها ، وكلما قرأت لها رسالة رميتها كي تأخذها المياه إلى مكان يحفظ أسراري، وقبل أن أذهب إلى العمل ترسم البحيرة لي صور أحبّتي، وتسقط قطرات الدمع من عينيّ فيرسمها الماء دوائر حزينة.

أحتجّ أحياناً على الآلات حتى لو وصفت بالذكاء، وأغلق هاتفي، وحاسوبي، أطفئ الأنوار، أجلس في العتمة، أستدعي الفرح كوني  فارغة من الفراغ.

إنّها ثورة المعلوماتيّة التي علمتّنا أن لا نبحث عن المعلومات. بل عن وسائل التّواصل. نراقب من خلالها بعضنا، نمرّر شتائمنا بأسماء مستعارة. كأنّ الذين أسّسوا لمواقع التّواصل قد تخصصوا في صناعة الزّيف. حاولت في إحدى المرات أن أضع إعجاباً لسكّان صفحتي. لم أستطع قراءة المضمون، وضعت إعجاباً لأحدهم شتم آخر، ووضعت للأخر إعجاباً أيضاً.، ومع هذا لم أستطع في ذلك اليوم أن أكمل رد الدّين لكلّ أصدقائي وهو ” الإعجاب بالإعجاب” من يومّها  قرّرت أن أقرأ لمدة  بسيطة، وأعرف ماذا قرأت في المنشورات إن توفّر عندّي الوقت.

 عدّتاليوم  إلى الورق، قبل أن أبدأ . شممته، ضممته إلى صدري ،ثمّ رسمت بطاقة معايدة بمناسبة الفصح، لوّنت البيض، كتبت على البطاقة . إلى مدينتي القامشلي: هل تذكرين ليالي العيد؟

لم أكن أعرف من أين ينهمر علي البيض، والكعك ، والحلويات حتى أنّه يفيض عن الحاجة. كانت أياماً لا يشغلنا بها هاتف ذكي، ولا أن نكتب لشخص ما أنّه رائع، ونحن نعضّ على شفاهنا من الألم لأنّه يبدو ناجحاً، ونحن فاشلين .

الأعياد، الأفراح، والأتراح لم تعد تقام من أجل إحياء المناسبة بل من أجل وضع صورتها على وسائل التّواصل، وهي حريّة شخصيّة أعطتنا إيّاها تلك الآلات الذكية، التي حجّمت عقولنا لتكون هي الأذكى. نحن ننساق وراءها، وعبيداً لها ، بل كلّما خطّط أحد المسّوقين لنا بتهويس  جديد  نتابعه، فيصفنا كما يصفنا المنجّم، ونكتب بمنتهى السّرور: انظروا ماذا يقولون عنا؟ نؤمن أن المسّوق صادق.

في تلك الليلة أحنّ إلى بيتي، إلى جيراني، وأصدقائي في مدينة شمالية أحببتها. مدينة جميلة للأعياد فيها رائحة الفرح. أحن إلى الفصح في القامشلي قبل أكثر من عشرين عاماً.

لن أغيّر تاريخ تلك الأيّام. كتبت على البطاقة  :

فصح مجيد

التاريخ : 1995 م

أنهيت الرسالة الآن ، لا أعرف كيف أرسلها، ولمن؟

سوف أصوّرها، أضعها خلفيّة لهاتفي الجّوال .

شاهد أيضاً

الكنيسة القبطية

الضابط شفتيه، فطين

ماجد سوس تفاح من ذهب في مصوغ من فضة، كلمة مقولة في محلها. تلك المقولة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.