السبت , ديسمبر 6 2025
الكنيسة القبطية
تدشين الأنبا زوسيّا

فيديو تدشين الأنبا زوسيّا يفتح نقاشًا طقسيًا: “سُلّم خشبي في مواجهة رول الدهانات”

واصف ماجد

أثار مقطع مصوّر لا تتجاوز مدته ثوانٍ، ظهر فيه الأنبا زوسيّا أسقف أطفيح وهو يقوم بتدشين أيقونات إحدى الكنائس يدويًا – بما فيها الأيقونات المرتفعة باستخدام سلّم مزدوج خشبي – تفاعلات واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة في ظل خلفية موسيقية تراثية صاحبت المقطع، تضمنت ترنيمة:

“يا كنيستنا يا بهية، كل شيء فيكِ جميل”.

ورغم الطابع الروحي الظاهري للفيديو، إلا أن باحثين ومهتمين بالشأن الكنسي اعتبروا ظهوره رسالة ضمنية، تعبّر عن تفضيل واضح للطقوس التقليدية للتدشين، ورفض ضمني لاستخدام وسائل حديثة مثل “رولات الدهانات” التي شُوهدت في طقوس تدشين بعض الكنائس خلال عهد البابا تواضروس الثاني، والتي اعتُمدت بهدف التيسير والوصول السريع إلى الأيقونات المرتفعة.

تسهيل أم تساهل؟

يرى مؤيدو الاتجاه الذي اعتمدته الكنيسة مؤخرًا أن استخدام أدوات حديثة مثل الرولات، أو تغيير طريقة عمل زيت الميرون من التسخين والطبخ إلى التقطير الكيميائي المعياري، يأتي ضمن سياق التطوير المشروع، الذي لا يمس جوهر الأسرار، بل يراعي متغيرات العصر ومتطلبات الكفاءة والوقت.

ويستشهد هذا الفريق بما ورد في رسالة بولس الرسول إلى أهل كورنثوس:


“كُلُّ الأشياءِ تَحِلُّ لي، لكن لا يُوافِقُ كُلُّ الأشياءِ. كُلُّ الأشياءِ تَحِلُّ لي، لكِن لا يَتَسَلَّطُ علَيَّ شيءٌ” (1كو 6: 12)، باعتبار أن جوهر الطقس – في نظرهم – لا يعتمد على شكل الأداة المستخدمة، بل على السلطة الرسولية الكنسية التي تبارك هذه التحديثات وتقرها.

ويضيفون أن الكنيسة ليست متحفًا جامدًا، بل جسد حي متحرك، كما عبّر البابا تواضروس نفسه أكثر من مرة، مؤكدين أن التغيير في الوسائل لا يعني خيانة للتراث، بل تفعيلًا عمليًا له في سياق زمن مختلف، ومجتمع أسرع إيقاعًا وأضيق وقتًا.

على الجانب الآخر: لا تنقل التخم القديم

في المقابل، عبّر عدد من الكهنة والباحثين الطقسيين عن تحفّظ واضح إزاء ما اعتبروه “تفريغًا للطابع الروحي والوقور لطقوس التدشين”، محذّرين من أن سهولة الأدوات قد تؤدي تدريجيًا إلى التهاون في جوهر الأسرار، وتُضعف رمزية الجهد والارتفاع والتقديس المصاحب لطقس التدشين.

ويستند هذا الفريق إلى نص سفر الأمثال: “لا تنقل التخم القديم الذي وضعه آباؤك” (أم 22: 28)، باعتباره قاعدة ناظمة لأي تغيير في الممارسة الكنسية، ويُذكّرون بأن الصعود على السُلَّم لتدشين الأيقونات العالية ليس مجرد إجراء عملي، بل يحمل دلالات روحية عن السعي والاقتراب من المقدسات.

كما يعتبر البعض أن فيديو الأنبا زوسيّا لم يكن محض مصادفة، بل يعكس تمسكًا واعيًا بالنهج التقليدي في مواجهة موجة تسهيلات يرونها مفرطة، ويُقرؤون في الترانيم المصاحبة نوعًا من التعبير الفني الهادئ عن الجمال الروحي في الأمانة للتراث.

بين الثبات والتجديد: رؤية وسطية

وسط هذا الاستقطاب، يرى عدد من اللاهوتيين أن المسألة لا تُختزل في الأداة، بل في الإيمان الذي يصاحبها، مستشهدين بقول الرب: “ويل لكم أيها المراؤون، لأنكم تُنقّون خارج الكأس والصحفة، وأما داخلهما فمملوءٌ اختطافًا” (مت 23: 25).

وتقترح هذه الرؤية أن الحفاظ على الروح التقليدية والرمزية الطقسية أمر حيوي، لا ينبغي التفريط فيه، لكنه لا يتعارض مع استخدام أدوات حديثة إذا اقتضت الضرورة، شرط أن تُستخدم بنفس القداسة والاحترام، وألا تحوّل الأسرار إلى مجرد أداء تقني خالٍ من التأمل.

ويرى هذا التيار أن الطقس – مثلما هو عمل مقدس – هو أيضًا تعليم غير منطوق، وأن الوسائل المستخدمة

لا يجب أن تشوّه هذه الرسالة، بل أن تخدمها دون أن تبتلعها

خلاصة الموقف

يبقى الفيديو الذي ظهر فيه الأنبا زوسيّا مجرد مشهد قصير، لكنه فتح بابًا واسعًا للنقاش حول الحدود الفاصلة بين الأمانة للتراث وضرورات التطوير.

وبين من يراه تجسيدًا للتمسك بالطقس في صورته الكاملة، ومن يعتبر التغيير أداةً لضمان الاستمرارية، يتأكد أن المسألة ليست في السُلّم ولا في “الرول”، بل في الرؤية الكنسية الشاملة، ومدى وعيها بأثر كل تفصيلة على روح الطقس ومغزاه.

وفي ظل هذا الجدل، تُطرح الأسئلة القديمة بصيغة جديدة: إلى أي مدى يمكن للكنيسة أن تتطور دون أن تتنازل؟ وهل يكفي أن تبقى الرموز قائمة، إذا تغيّرت الأدوات والمعاني المصاحبة؟ أسئلة لا تزال مفتوحة، تنتظر إجابات يقدّمها الزمن… والممارسة.

شاهد أيضاً

لأول مرة.. مصر تُعلن تصدير قنابل خارقة للتحصينات

كشف مسؤول مصري بالصناعات العسكرية، عن تصدير قنـ ابل حافظ الجوية الخارقة للدروع، لبعض الدول …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.