مريم المصرية
تُعد حوادث الخطف التي يتعرض لها الأقباط في مصر، وبخاصة في محافظات الصعيد، واحدة من أكثر القضايا حساسية وتعقيدًا.
فهي ليست مجرد جرائم جنائية عابرة، بل ظاهرة تحمل أبعادًا دينية واجتماعية وقانونية
وتكشف عن ثغرات واضحة في منظومة العدالة والأمن.
استهداف الفتيات
الفتيات القبطيات يمثلن الهدف الأكثر هشاشة. غالبًا ما تبدأ القصة بعلاقة عاطفية سطحية أو استدراج
مدروس، لينتهي الأمر بخطفهن وإخفائهن لفترات، ثم إعلان مفاجئ بأنهن تزوجن أو غيّرن ديانتهن.
الأسر في معظم الحالات ترفض هذه الروايات، مؤكدة أن الأمر يجري تحت ضغوط نفسية وتهديدات
في غياب حماية قانونية واضحة لحقوق الفتيات القاصرات.
خطف الرجال والأعيان
لا يقتصر الخطف على الفتيات.
في قرى الصعيد، يتعرض رجال أعمال وأطباء وأصحاب متاجر مسيحيون للخطف بدافع الابتزاز المالي.
تُطلب فدية كبيرة مقابل الإفراج عنهم، وتُترك الأسر تحت ضغط نفسي واقتصادي رهيب.
المثير للقلق أن هذه العمليات تحدث في وضح النهار أحيانًا، مما يعكس ضعف الردع الأمني في بعض المناطق.
ثغرات العدالة
تكشف هذه الحوادث عن خلل مؤسسي في التعامل مع ملفات الأقباط.
فالكثير من البلاغات يتم تجاهلها أو إغلاقها بدعوى “الرضا” أو “تغيير الدين”، بينما يفتقر الضحايا لفرصة عادلة لعرض قضيتهم أمام القضاء.
أما “جلسات الصلح العرفية”، فهي تمثل آلية بديلة غير منصفة، إذ تُسقط العقوبات الجنائية
وتُبقي الجناة بلا محاسبة.
حالات واقعية كنماذج
1. أماني – طالبة في أسيوط (يونيو 2025)
اختفت في يوم امتحانها، وتبين أنها استهدفت عبر وسائل التواصل من قبل شبكة منظمة.
الشرطة لم تتعامل بجدية وأصدرت رواية عن علاقة عاطفية لتبرير اختفائها.
2. إيرين إبراهيم شحاتة – طالبة طب (يناير 2024)
اختفت أثناء الامتحانات، وتغير دينها في بطاقة الهوية بشكل مفاجئ.
الأسرة لم تتمكن من استعادتها، وما زالت في عداد المفقودين.
3. رانية عبدالمسيح – مدرسة ومحامية (2020)
اختُطفت ثلاثة أشهر، وظهرت بفيديو محجبة تعلن تحولها تحت ضغط واضح.
عادت بعد تدخل كنسي لكن السلطات طلبت من الأسرة الصمت.
4. يوستينا مجدي عطية – 15 سنة (2020)
اختفت في بني سويف، وعادت بعد 20 يومًا وسط ضغوط كبيرة على الأسرة.
5. مارينا سامي سحي – 20 سنة (2019)
اختفت وهي حامل أثناء زيارة للطبيب في القاهرة.
لا يزال مصيرها مجهولًا حتى الآن.
6. نيرجس عادل إبراهيم – 18 سنة (2019)
اختفت أثناء ذهابها لدرس خصوصي.
رغم معرفة الشرطة بهوية الخاطف، لم يُسجل البلاغ رسميًا.
7. مارينا خلف (2023)
اختفت، وعوضًا عن ملاحقة الخاطفين، لاحقت الشرطة بعض الأقباط الذين كشفوا تفاصيل الحادثة.
الآثار المجتمعية
تزرع هذه الجرائم شعورًا عميقًا بالخوف لدى الأسر القبطية، خصوصًا من لديهم بنات في سن الدراسة.
كثير من العائلات اختارت الهجرة الداخلية من القرى إلى المدن الكبرى هربًا من تهديدات محتملة.
النتيجة هي تعميق الفجوة بين المسلمين والمسيحيين في بعض المناطق الريفية، وتآكل الثقة في قدرة الدولة على حماية جميع مواطنيها.
موقف المجتمع الدولي
لم تمر الظاهرة بصمت عالمي. منظمات حقوقية عديدة وثّقت الانتهاكات، فيما عبّرت جهات دولية
مثل الاتحاد الأوروبي والكونغرس الأمريكي عن قلقها إزاء تكرار هذه الحوادث.
غير أن الضغوط الدولية لم تُترجم بعد إلى سياسات فعّالة على الأرض، مما يجعل الأقباط يشعرون بالعزلة والتجاهل.
نحو حلول عملية
تعزيز سيادة القانون :
يجب إنهاء الاعتماد على الجلسات العرفية وإحالة الجناة إلى المحاكم.
حماية الفتيات القاصرات :
وضع آليات صارمة لمنع الزواج أو تغيير الدين قبل سن 18 عامًا.
توعية مجتمعية:
نشر ثقافة قبول الآخر وإعادة بناء جسور الثقة بين أبناء القرى.
تعاون دولي:
الاستفادة من الخبرات الحقوقية العالمية لدعم خطط حماية الأقباط.
خاتمة
الخطف ضد الأقباط ليس مجرد حوادث فردية، بل هو جرح مفتوح يكشف هشاشة العلاقة بين القانون والمجتمع. معالجة هذه الظاهرة تحتاج إلى إرادة سياسية جادة، وعدالة لا تميّز بين مواطن وآخر.
جريدة الأهرام الجديد الكندية
