لم يعد الأمر مجرد قرار تعليمي عابر، بل تحوّل إلى قضية أمن قومي حينما قررت وزارة التربية والتعليم إخراج مادة الجيولوجيا من المجموع، وكأن هذا العلم الاستراتيجي رفاهية أو فرع ثانوي يمكن الاستغناء عنه.
كيف يمكن لدولة تسعى لبناء نهضتها الاقتصادية والعمرانية والزراعية أن تهمل العلم
الذي يكشف أسرار الأرض ويضع خريطة ثرواتها الطبيعية بين يديها؟
الجيولوجيا ليست مجرد منهج دراسي، بل هي الأساس الذي تقوم عليه الصناعات الثقيلة
واكتشافات الغاز والبترول، واستغلال المعادن والفلزات النادرة، والرخام، وخامات الاسمنت
ورمال الزجاج، وخزانات المياه الجوفية.
بل إن مشروعات الدولة القومية الكبرى في الزراعة والتوسع العمراني والطرق والكباري
والموانئ وصوامع الغلال لا يمكن أن تتحقق دون الدراسات الجيولوجية الدقيقة.
هل يدرك الوزير أن تجاهل تدريس هذا العلم هو بمثابة تعطيل لعجلة البحث والاكتشاف
وفتح الباب أمام أطماع الخارج في ثروات مصر المدفونة؟!
يكفي أن نذكر العالم المصري الكبير الدكتور فاروق الباز، أيقونة الجيولوجيا، الذي رفع اسم مصر
عاليًا في أرقى المؤسسات العلمية وشارك في أعظم المشاريع الفضائية. أليس في ذلك دليل
على أن هذا العلم يفتح الأبواب إلى المستقبل؟
في الوقت الذي نرى فيه دولًا شقيقة مثل السعودية تدرك قيمة الجيولوجيا
وتقرر إضافة مقرر جديد تحت اسم “علوم الأرض والفضاء” إلى مناهجها، نجد مصر – صاحبة أعرق
مدرسة في هذا العلم – تتراجع للخلف وتعتبره مادة بلا قيمة في المجموع!
أي تناقض هذا ؟ وأي رسالة نبعث بها لأبنائنا حين نقول لهم إن علم الأرض والفضاء مجرد “اختياري”؟
إن إضعاف الجيولوجيا جريمة علمية وتنموية، وتجاهلها لا يقل خطورة عن التنازل
عن جزء من مواردنا الطبيعية.
فكل حجر، وكل بئر ماء، وكل حقل بترول أو منجم معادن يبدأ من دراسة جيولوجية دقيقة.
من هنا، وباسم كل من يعرف قيمة هذا العلم، أناشد السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي
القائد الذي جعل من التعليم ركيزة للتنمية، أن يتدخل شخصيًا لإلغاء هذا القرار الكارثي
وإعادة مادة الجيولوجيا إلى مكانها الطبيعي، مادة أساسية داخل المجموع.
فالقرار ليس شأنًا تعليميا فقط، بل هو تحدٍ لمستقبل مصر الاقتصادي والعلمي،
سيادة الرئيس، الأمر بين يديك، فإما أن نحافظ على ثرواتنا ونُعِد أجيالًا قادرة على اكتشافها
أو نتركها نهبًا لأطماع الآخرين.
جريدة الأهرام الجديد الكندية
