الجمعة , ديسمبر 5 2025
روسيا والصين وكوريا الشمالية

الصورة التي قلبت العالم..بوتين وكيم وشي لأول مرة في صورة واحدة.. الصورة التي وصفها ترامب بأنها ‘‘مؤامرة‘‘ على الولايات المتحدة..

بقلم عبده فايد

الصورة التي وصفها ترامب بأنها ‘‘مؤامرة‘‘ على الولايات المتحدة..وهي فعلًا أكبر مؤامرة حتى لو نفى الصينيون والروس والكوريون الشماليون ذلك..لكنها في الأصل..مؤامرة صنعتها أميركا

على نفسها..وقد ينتهي بها المطاف إلى حرب عالمية ثالثة..لكن ما وراء الصورة قصة أعقد بكثير..هي قصة عالم يُعاد تشكيله بالكامل..من أين بدأت القصة؟..أو بالأدق من أين بدأت الهزيمة الأميركية؟..

من الخمسينات..حيث كانت روسيا والصين وكوريا الشمالية حلفاء لا يُمكن النيل منهم..الصين أرسلت مليوني جندي للمشاركة في الحرب الكورية 1950-1953، وفنى منهم مليون، وبفضل الصين استطاعت كوريا الشمالية الصمود أمام أميركا وبريطانيا في الحرب

وروسيا تكفّلت بالأثنين، وكانت تعتبرهما دائمًا أشقائها الشيوعيين الصغار..يعني الصين في بداية نشأتها الجمهورية سنة 1949 لم تكن فعليًا تجد عملة أجنبية للاستيراد..الاتحاد السوفياتي وفّر عليها المتاعب وجعل التصدير مقابل منتجات وخدمات..على سبيل المثال، بترول سوفياتي مقابل بطاطس صينية وفولاذ مقابل عمالة صينية في سيبيريا، ونفس الأمر طبقّته مع كوريا الشمالية..لكن الهدية السوفياتية الأكبر للطرفين

كانت بداية المشروع النووي..ستالين بدأ نقل الخبرات السوفياتية للصينيين، والمواد الخام اللازمة

وخصوصًا اليورانيوم، واستمر الأمر تقريبًا 3 سنوات..وبعد ذلك بأعوام وتحديدًا 1965..الاتحاد السوفياتي

نفسه سيقدم على خطوة أكبر..أحضر أثنين علماء كوريين شماليين إلى موسكو، وقام بتدريبهما

وكان اسمهما سان روك ولونج سان كي..وبعد ذلك أعادهما لبلادهما مع هدية بسيطة..ما هي؟

تدشين مجمع نووي لكوريا الشمالية أسمه ‘‘يونجبيون‘‘ ومزود بمفاعلات بحثية سوفياتية من طراز IRT-2

لغاية الآن..قصة تحالف شيوعي نبيل في وجه الاستعمار الأميركي..لكن لن يستمر طويلًا..وهنا الخطيئة الأميركية..

ستالين رحل عن الدنيا وجاء مكانه خروتشوف..والأخير انقلب على كل شيء تركه ستالين..أدان نظامه ووصفه بالمجرم، وسافر لأول مرة في التاريخ لأميركا ومكث هناك لمدة أسبوعين، وقتها كان الشباب الأميركي

يتجمع بعشرات الألوف من أجل مشاهدة رأس الشر الشيوعي كما يصوره الإعلام الأميركي

وكانوا فعلًا مفكرينه وحش له أنياب واكتشفوا أنه مجرد إنسان قصير وسمين..من الذي كان يراقب

التغيرات السوفياتية؟..الصين بقيادة ماو تسي تونج..وقرّر التصعيد والتنديد بخروتشوف..

وطبعًا السوفيات تضايقوا، فقرروا سحب كل الخبراء العسكريين وقطع العلاقات التجارية مع الصين..

ولأول مرة ينفصل الشقيقان الشيوعيان بداية من سنة

1960..وليس مجرد انفصال ودي..لأ..كان سيتطور فعليًا لحرب نووية ليس بين الاتحاد السوفياتي

وأميركا، بل بين الاتحاد السوفياتي والصين..كان ذلك عام 1969 عندما وقعت صدامات عسكرية محدودة بين موسكو وبكين في نهر إيشوري الحدودي وبالأخص حول جزيرة صغيرة تُدعى دامانسكي

وما بدأ نزاعًا بسيطًا انتهى بحشد موسكو ترسانتها النووية لتوجيه ضربة استباقية لبكين

وفي المقابل حشدت الصين صواريخ نووية من طراز DAF-4 و DAF-5 ونقلتها إلى شنجهاي

لاستهداف موسكو..وفي اللحظة الأخيرة..رفع القادة أياديهم عن الزر النووي..ونجت قارة آسيا من مواجهة مهلكة..لكن الجرح بين ” الخصمين” الشيوعيين أصبح غائرا..

إذن الصين والاتحاد السوفياتي في أزمة ساحقة..من الذي يفترض به أن يتدخّل لاستثمار الموقف؟..بالتأكيد أميركا..وفعلًا حدث تقارب رمزي بزيارة الرئيس الأميركي نيكسون إلى بكين ولعب تنس طاولة

هناك مع الصينيين عام 1972..وقبلها بسنة واحدة حصلت الصين على مقعد دائم في مجلس الأمن..أميركا خلاص استغلت الفرصة؟..لأ..لأن الصين نفسها كانت تعلم جيدًا أن الولايات المتحدة تستهدفها في الحقيقة..قبل حرب فيتنام أرسل الصينيون عبر وسطاء رسائل طمأنة للأميركيين..فليحكم هو تشي منّه فيتنام وستعمل الصين على رعايته دون أن يؤدي ذلك لصدام مع المصالح الأميركية..لكن غرور القوة الأميركي دفع نصف مليون جندي لخوض حرب عبثية لمدة ست سنوات في أوحال آسيا..في فيتنام أولًا ثم كمبوديا ولاوس

هنا شعرت الصين بعزلة قياسية..هي وحدها تمامًا للمرة الأولى..بعيدة عن السوفييت وفي مرمى المدافع

الأميركية التي تسعى لحصارها من كل نقاطها الاستراتيجية..بنشر صواريخ باليستية في اليابان

وكوريا الجنوبية ووجود مليون جندي أميركي في البلدين وفوق ذلك السعي لإنشاء نظم عميلة في الهند الصينية..كانت أمام أميركا فرصة لاجتذاب الصين إلى معسكرات عدم الانحياز..تحييد قوتها النامية

إن فقط وفرّت لها الأمان في محيطها الإقليمي..لكن واشنطن كانت تراها، بدلا من ذلك، فرصة مناسبة

للانقضاض الكامل على الصين..وتلك كانت الخطيئة الأولى..وعدّ معايا كويس باقي الخطايا الاستراتيجية القادمة..حتى تفهم أهمية تلك الصورة..

الصين كان جبهة أميركية أكثر هدوءً من الاتحاد السوفياتي..ذهب ستالين ومعه مرحلة المواجهة، ثم ذهب خروتشوف ومعه مرحلة التعايش السلمي، ثم جاءت مرحلة الانفراجة لمدة عشر سنوات بين الأميركيين

والسوفييت طوال السبعينات، أما المرحلة الأخيرة من بداية الثمانينات فاصطلح على تسميتها ب ‘‘حرب النجوم‘‘

وفيها قررت أميركا إزاحة الاتحاد السوفياتي من الخريطة العالمية، بدأ ذلك باستدراجه لأفغانستان

في حرب خاسرة من بدايتها، ثم إلى سباق تسلح فضائي استنزف الميزانية السوفياتية، وفي قلب موسكو كانت هناك عوامل ذاتية سرّعت الانهيار الساحق، منها تقدم سن القيادات السياسية، وحالة التكلس الفكري

ونمو المطالب القومية من قلب ضعف الدولة الفيدرالية..وسوف يأتي عام 1989 بالخبر الذي

عملت واشنطن عليه لمدة أربعين سنة..انتهى العالم الشيوعي كما كنّا نعرفه..تجزأ الاتحاد السوفياتي

إلى 16 دولة، وتغيّرت الأنظمة الشيوعية الموالية في شرق أوروبا..تلك هي نهاية التاريخ

كما تصورها الأميركيون..حيث لا صراع بعد الآن..بل قوة واحدة مهيمنة..وإمبراطورية

فريدة في التاريخ..الولايات المتحدّة..كيف تتصرف الإدارة الأميركية؟..بمنتهى الغرور..

هل تتذكر مشهد شهير ومؤسف عام 1992؟..يومها قامت الدبابات الروسية بقصف البرلمان الروسي

بألف دانة تقريبًا..كان صراعًا محمومًا على السلطة بين بوريس يلتسين رئيس الجمهورية وزعيم البرلمان

رسلان حسبولاتوف، ولم تحسمه سوى زخات الرصاص أمام الإعلام العالمي..هل تتذكّر مشهد آخر بعد سنوات..كان كوميديًا لكنه في حقيقة الأمر لخّص المأساة كلها..مؤتمر صحافي بين الرئيسين الأميركي والروسي..كلينتون ويلتسين..والأخير كان مخمورًا بالكامل، يضحك ويزبد للدرجة التي فقد

فيها كلينتون سيطرته وانهار أمام الكاميرات على ركبتيه ضاحكًا..كانت تلك خلاصة القصة

روسيا أصبح بلد تافه، وزعيمه أصبح أضحوكة بين البشر..كانت تلك هي الخطيئة الاستراتيجية الأميركية الثانية

روسيا بالفعل استسلمت عقائديًا، وكانت على استعداد للاندماج في المنظومة السياسية-العسكرية الغربية

ولو بشروط..وسعت بالفعل للحصول على عضوية مجلس التعاون الاقتصادي الأوروبي، ومنظمة الأمن

والدفاع في أوروبا، وصاغت عقيدة سياسية جديدة تمامًا للتقارب مع الغرب وهي عقيدة كوزيريف

وكل ما كانت تطلبه روسيا هو احترام ماضيها الإمبراطوري وعدم حصارها وضمّ الدول السابقة

فيها إلى الناتو والتكتل الاقتصادي الأوروبي..لكن ما جنته موسكو كان الاحتقار التام

لا عضوية في المؤسسات الأوروبية، بل وستفرض أميركا عليها حصارًا ناعمًا بضم الدول الشرقية

السابقة لعضوية الناتو، وسوف تزيد على ما سبق بالتحرك نحو تفكيك الفضاء الحيوي السوفياتي

بضرب كل الحلفاء المتبقيين وتحويلهم لنسخ من روسيا الجديدة

والحديث هنا عن يوجوسلافيا..أضاعت واشنطن الفرصة وسوف تندم عليها ألف مرة لاحقًا..

هل يتوقّف الغرور الأميركي؟..لا..الصين نفسها حاولت التقارب الإضافي مع أميركا بعد انتهاء الحرب الباردة

لأول مرة اعترفت بكوريا الجنوبية ووقعت معها اتفاقات شراكة اقتصادية

بدأت في الانفتاح الاقتصادي على مؤسسات التمويل الدولية والاقتراض من صندوق النقد الدولي

إشارات كلها إيجابية..لكن الأسوأ ما يزال قادمًا..في الوقت الذي كانت تحاول فيه الصين الاقتراب

من واشنطن، كانت أميركا تسعى لإسقاط نظام الحكم في الصين..كان هناك ما يُسمى عالميًا بالموجة الثالثة للديمقراطية..سقطت الأنظمة الديكتاتورية وحلّ محلها نظم ديمقراطية موالية للمصالح الأميركية

في شرق أوروبا وفي إفريقيا جنوب الصحراء وفي روسيا نفسها..ما المانع لتكرار السيناريو

ذاته في الصين؟..دعمت واشنطن حراكًا ناشئًا للتخلص من الحزب الشيوعي، ووفّرت لأبطاله

من الشباب دعمًا واسعًا أتاهم من تايوان، ماليًا وإعلاميًا..ومن ينسى اللقطة الشهيرة

للزعيم الطلابي الصيني Wu’er Kaixi

وهو يجلس واضعًا قدم فوق قدم أمام الزعيم الصيني لي بينج وهو يملي عليه المطالب الديمقراطية

شعرت الصين بالإهانة من الانقضاض الأميركي عليها، واندفعت لارتكاب واحدة من أبشع حوادث القرن العشرين

ما بين 20 ألف – 60 ألف صيني لقوا حتفهم تحت جنازير الدبابات في الميدان السماوي في تياننمين

وأخمدت المطالب الشعبية وأفرط الحزب الشيوعي في ابتكار أساليب أشد قمعًا لكل الحركات الطلابية..بالنسبة للصين..كانت تلك خطيئة لا تُغتفر، أعادت للأذهان قرن الذل الأليم الذي احتلت فيه تسع دول الصين بالتوالي لمدة 100 عام ذهب ضحيتها 80 مليون صيني..وسوف تدفع واشنطن ثمن ذلك..

حان الآن موعد دفع الثمن..روسيا والصين كلاهما جريح..كلاهما تعرّض من جديد للذل

أسقطت أميركا الاتحاد السوفياتي وتحاصر روسيا الجديدة..وحاولت أميركا إسقاط الحزب الشيوعي الصيني

ولما فشلت فرضت عقوبات اقتصادية كاسحة على الصين منها حظر الاقتراض

ومنع تصدير مكونات الأسلحة..وما فرّقه الأخوة الشيوعيين خورتشوف وماو تسي تونج

جمّعته الولايات المتحدّة..تجاوزت موسكو وبكين خلافات الماضي، وبدأ كلاهما نمط من الشراكة يُعرف ب Threat-Partnership Model أو نظام الشراكة المبني على التهديد

التهديد الأميركي طبعًا..ولأجل مواجهته حلّت البلدان المشاكل الحدودية التي كادت تودي بهما لحرب نووية، وتم تسوية 4900 كم من الحدود البرية والبحرية..باعت موسكو للصين سلاحًا بقيمة 540 مليون $

وكان المبلغ كافيًا لموسكو للخروج من أزمة إفلاسها عام 1998..ومع ارتفاع منسوب الثقة..وقع البلدان معاهدة حسن التعاون والجوار..ثم حدث الانفجار في العقدين التاليين..اتفاقية استراتيجية شاملة

ثم أكبر صفقة غاز في التاريخ بقيمة 400 مليار $ تقوم فيها جاز بروم الروسية بتزويد الصين

ب 38 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي لخمسة عشر عامًا مع إنشاء خط أنابيب بكلفة 55 مليار دولار

وصولًا لتأسيس مجموعة شنجهاي للتعاون الاقتصادي، وتحالف سياسي وعسكري لا تخطئه عين في مواجهة المطامع الأميركية

ما بدأ كتقارب بدافع الخوف من أميركا..انتهى لأقوى تحالف عالمي في مواجهتها..ولن تتوقف الأخطاء الأميركية أبدًا..

كوريا الشمالية كانت في وضع أقرب للحياد بين الشقيقين الكبيرين روسيا والصين في فترة خلافهما الكبير 1960-1990..واستفادت من كليهما حتى انتهاء الحرب الباردة..عانت الصين وروسيا من أوضاع اقتصادية صعبة في مواجهة أميركا كما سبق وذكرت..وبالتالي تأثر دعم كليهما لكوريا الشمالية..روسيا توقفت عن قبول الحاصلات الزراعية ثمنًا للنفط، والصين لجأت لتخفيض العجز التجاري مع بيونج يانج بإغلاق الباب أمام الصادرات الكورية إليها

كانت سلالة كيم يونج إيل تعتمد على تصدير 85% من إنتاجها للسوق الصينية، وفجأة انخفضت النسبة إلى 20%..وتلك فقط كانت مقدمة الأزمة الكورية التي سوف تتحول لكارثة إنسانية عندما يبدأ فيضان عام 1994 الذي قضى على الثروة الزراعية وأدى لوفاة 3 مليون كوري شمالي

فيضان ومجاعة ولا أسوأ من ذلك أمام كوريا الشمالية.. ما الذي تفعله؟..تقبل لأول مرة بإخضاع

برنامجها النووي في يونجبيون للإشراف الدولي، بل وتوقع اتفاقًا إطاريًا مع واشنطن للحصول

على مساعدات مالية مقابل تسليم جزء من الوقود النووي وقضبان الجرافيت، وأكثر من ذلك

وافقت على إنشاء مكتب دبلوماسي أميركي لرعاية المصالح في بيونج يانج، وسمحت لها واشنطن بالمثل

وكل ذلك في خانة والتقارب مع كوريا الجنوبية ضمن ما يُعرف ب” سياسة الشمس المشرقة “

 في جانب آخر..لأن سيول أنشأت في بيونج يانج مجموعة من مصانع التجميع وفرّت فرصة عمل

لأكثر من 25 ألف كوري شمالي مقابل التهدئة..كانت أجواء إيجابية جدًا..لكن مرة أخرى الغرور الأميركي

سوف يحكم الأمر..جورج بوش الابن سوف يقرر عام 2001 تصنيف كوريا الشمالية ضمن محور الشر

الذي ضم العراق وإيران..فجأة انهار كل شيء..ألغت كوريا الشمالية الاتفاق الاطاري وأوقفت تعاونها

مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وانسحبت من عضوية المنظمة وعادت للتخصيب من جديد

وفي العام 2006 سوف تقوم بتجربتها النووية الأولى..رسميا، ومن قلب الغطرسة الأميركية

أصبحت كوريا الشمالية العضو الثامن في النادي النووي العالمي..واكتسبت واشنطن عدوا نوويا جديدا..وأبديا..

روسيا والصين وكوريا الشمالية..كان أمام الولايات المتحدة أربع فرص تاريخية لتفكيك معسكرهم

للاستثمار في تحول هاديء وطويل المدى يراعي الخصوصية الثقافية..لكنها بنفسها من

حولّتهم من خانة العداء للتحالف الاستراتيجي، وهي من صدرّت نفسها لهم كخطر ينبغي أن يتحدوا لمواجهته..لماذا؟..مجرد سوء تقدير أميركي؟..لا..لأن عقيدة الرجل الأبيض لا تقبل بتقاسم السيادة العالمية

أو الاعتراف بالنمو الطبيعي لقوة عملاقة من حيث المساحة والسكان والموارد

تقبل فقط بالتفكيك والشطر وإزاحة الأنظمة وإثارة الاضطرابات المحلية من أجل الوصول للإخضاع التام

قديمًا ساد لدى الاستعمار الفرنسي عقيدة تُسمى ‘‘الفرنسة الجماعية‘‘..أي تحويل السكان الأصليين

في شمال إفريقيا وإفريقيا الاستوائية إلى مواطنيين فرنسيين في كل شيء عدا لون بشرتهم

ومن هنا كان تغيير اللسان العربي والأمازيغي والهوساوي والكانتوني واستبدالهم باللغة الفرنسية ومعها قيمها الحضارية..

أميركا لا تختلف..لن تقبل سوى بأمركة النظم والدول..في شكل القيم السياسية والتفاعلات الاقتصادية ونمط النخب..لا تتخيّل فكرة الأصفر الآسيوي ينشيء نظامًا سياسيًا مختلفًا عنها، ولا تقبل فكرة صعوده الاقتصادي إن كان سوف يمثل خصمًا من الهيمنة الأميركية المطلقة

هذا الغرور الأميركي الفادح هو ما قاد في النهاية إلى اجتماع الخصوم ضدها..إلى محاولة ثلاثية صينية-روسية وبالتبعية الكورية الشمالية لخلق مساحة عالمية أخرى تقف في وجه الولايات المتحدة..وليس مجرد وقوف قيمي أو صور تذكارية..وإنما هو تهديد بحرب عالمية ثالثة يتنكر في صورة تحالف ثلاثي..

يخطيء العرب كثيرًا حينما يظنون أن حربًا كوكبية قد تنشأ من رحم تفاعلاتهم..أبدًا..هم لا يحتلون تلك المساحة

في التقدير الاستراتيجي العالمي أكثر من كونهم محطات للإغارة والسلب..إن نشبت حرب كونية

ستكون من هناك..إقليم شرق وشمال شرق آسيا..هناك صراع الأفيال..خمسة قوى نووية في المكان أو على تخومه..الصين وروسيا وكوريا الشمالية..في مواجهة الولايات المتحدة والهند

هناك تجري هندسة بيئة صراعية مخيفة

الولايات المتحدة تحاصر الصين من خمس جبهات..الأولى بنشر أسطولها من مائة ألف جندي في بحر الصين الشرقي والجنوبي، والثانية من تايوان التي تربطها بأميركا اتفاق دفاعي للحماية المتبادلة

والثالثة من اليابان التي بدأت منذ العام 1996 في بناء قوتها العسكرية من جديد بدعم أميركي

من خلال استراتيجية ناي، وبدأت منذ العام 2003 في بناء نظام دفاع صاروخي باليستي

وبناء حاملات طائرات مروحية من طراز إيزومو وكاجا القادرتين بعد تعديلهما

على استيعاب طائرات F-35 وبالفعل حصلت طوكيو على 42 طائرة F-35 B ومعها رفعت ميزانية الدفاع

لرقم قياسي بلغ سنويا قرابة 60 مليار $..كوريا الجنوبية في المحطة الرابعة بنحو 30 ألف جندي أميركي

عامل وقواعد عسكرية تُمكن واشنطن من إطلاق الصواريخ النووية صوب شنجهاي،

أما الهند فتشكل الكتلة الخامسة في الحصار الأميركي للصين وتدخل في ذلك ضمن تحالف أوسع مع استراليا لكي يكون الحصار مزدوجًا بريًا من نيودلهي وبحريًا من الجارة الأبعد في المحيط الهادي

حركة صينية واحدة في الاتجاه الخاطيء، وستكون الولايات المتحدة في موضع يُمكنها من صب الرصاص على بكين من كافة حدودها البرية والبحرية..

الصين في المقابل تقوم بهندسة مسرح عمليات مختلف..وهو أقرب ما يكون لرد فعل يهدف لحصار البؤر المصممة لحصارها أصلًا..صمّمت وجود كوريا الشمالية كمحطة عازلة عن التهديد الكوري الجنوبي..وتضغط على اليابان مرتين..أولى بالتجارب الصاروخية الكورية الشمالية وثانية بإنشاء عشرات الجزر الصناعية ونقل أسلحة البحر إليها، وتستهدف كذلك دول أصغر متحالفة مع أميركا مثل الفلبين وفيتنام..وتتوسع في المقابل في بناء قوتها البحرية بإطلاق 4 حاملات طائرات ضخمة لتعزيز تواجدها على طرق الملاحة في بحر الصين الشرقي..وإلى جوارها روسيا وهي شق هام في استراتيجية الدفاع الصينية المتقدّمة

روسيا التي تضغط لاستنزاف أميركا في جبهتين..الأولى أوروبا بتصعيد النزاعات المسلحة مع الجيران الشرقيين..والثانية وهي منطقة يغفل عنها الكثيرون، وهي القطب الشمالي، حيث تضغط روسيا

بقواعدها العسكرية المتقدمة على الولايات المتحدة وكندا في سباق السيطرة على ربع احتياطي الغاز العالمي في الأرض المتجمدة

 روسيا نفسها التي ساعدت الصين على الحصول على وضع مراقب في المنظمة القطبية الشمالية رغم أنها دولة غير مشاطئة أي لا تمتلك سواحل متصلة بالقطب الشمالي عكس موسكو وواشنطن..

ليس هذا فحسب بل تنقل الصين الصراع لجانبه الاقتصادي في أميركا اللاتينية والوسطى لحصار المصالح الأميركية..بنما على سبيل المثال، أو فنزويلا حاليًا التي يحاصرها الأسطول الأميركي

وحين تفعل الصين ذلك فإنها تهدف أولًا وأخيرًا لاستنزاف القوة العسكرية الأميركية في محيطها الحيوي، لتقليل الضغط عليها في بحري الصين الجنوبي والشرقي..هناك مسرح عمليات سوف يحكم العالم للقرون الخمسة القادمة

ومن هناك قد تنشب حربًا لا تبقي في العالم ولا تذر..سوء تقدير تعقبه طلقة في غير محلها من أي قوة

قد تكون كفيلة لعودة العالم للعصر الحجري..ولأجل تلك النقطة..كانت صورة الزعماء الثلاث..بوتين وشي جين بينج وكيم يونج أون..وثلاثتهم يعلمون أن لا سبيل لتجنب الحرب العالمية الثالثة

سوى بالاستعداد للحرب العالمية الثالثة..استعداد بتكثيف القوة العسكرية، وهندسة مسرح عمليات مواز

وقبل كل شيء إظهار قدر هائل من التضامن البيني يجعل الأميركيين يفكرون مرة في إتاحة فرص

الصعود الإقليمي للقوى الثلاث، وألف ألف مرة قبل التشجيع على حرب لو بدأت لن يعود العالم كما كان قط..

ليست صورة عفوية أبدًا..بل هي مقصودة كرد فعل على الصورة الأميركية-الأوروبية..تتشاجرون حول أوكرانيا، ونتفق على دعم روسيا..تعتقدون في سيادة بيضاء على العالم، ونحدثكم عن صفر

وقوقازيون سوف يعيدون تشكيل النظام العالمي..تُعيد أميركا ترتيب أولوياتها الدفاعية للنيل منّا

ونخبركم ما المدى المدمر الذي يمكن أن يصل إليه التوتر حال ما اندلعت حرب عالمية ثالثة..هذا عالم يُعاد تشكيله..الكل يتضافر لتشكيل جبهات وتحالفات..القوى العظمي تنقسم للمرة الأولى بذلك الوضوح..عالم روسيا والصين في مواجهة أميركا وأوروبا..حتى الدول الصغيرة والمتوسطة تحاول إيجاد موقع قدم لها في هكذا بيئة صراعية

إلا العرب..شراذم شتى تداعت قيمتهم الاستراتيجية للحد الذي يًقرر فيه الأميركيون إسناد مهمة تأديبهم جميعًا لكيان لقيط من ستة ملايين لاجيء، لا تخطيط استراتيجي يتجاوز دفع الجزية للأميركيين، ولا تعاون يتعدّى حد المشاركة في إنتاج أفلام سينما بين الأشقاء..

قبل أسبوع وقف زعيم كوريا الشمالية يبكى في حضرة جنوده على ضحايا بلاده ال 11 ألفًا الذين سقطوا في الدفاع عن روسيا واسترداد أرضها في كورسك بعد التوغل الأوكراني قبل عام..يعلم كيم جيدًا أن روسيا حلقة قبل أخيرة في الوصول إليه شخصيًا، وأنه لا بديل عن الدخول في الحرب ولو كلّفه الأمر ما كلّف

في نفس الوقت كان عدد ضحايا القطاع يسجّلون 63 ألفًا والعرب يقولون..هم من بدأوا المعركة وعليهم إنهائها، ولا تطلبوا منّا دعمًا..في نفس الوقت كان العرب يجهزون مهرجانات الترفيه بينما جيش إسرائيل

يحشد 200 ألف جندي لاحتلال القطاع..في نفس وقت التضامن التاريخي الروسي-الصيني-الكوري الشمالي..يقف عربي ليقول..ليست قضيتي..ولا يعلم أبدًا حتى الآن ما المصير الأسود الذي صنعه لنفسه وسط عالم ينشد

التحالفات بينما هو ينشد الفرقة..لا يدرك حتى اللحظة ما أدركه الكوريون الشماليون والصينيون..سقوط ضلع سيحطم المثلث..ولا يعي إلى اللحظة أن حدوده التي يظن أنه يحميها بالتواطؤ ، قد سقطت بالفعل عندما سمح بسقوط القطاع !

شاهد أيضاً

الصين

حمزة 3”.. مصر تبرم اتفاقية مع تشينغداو الصينية لإنتاج مسيّرة بنسبة مكون محلي 85%

أبرمت الهيئة العربية للتصنيع اتفاقية تعاون مع شركة تشينغداو هنغروي تكنولوجي الصينية لتصنيع طائرة مسيّرة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.