واصف ماجد
منذ سنوات قليلة، برز اسم بولس فرج الله كظاهرة مثيرة للجدل داخل الساحة الدينية في مصر.
رجل قدّم نفسه في البداية كقس إنجيلي تابع للطائفة الإنجيلية برئاسة الدكتور أندريا زكي، ثم انقلب فجأة على تاريخه ليظهر مرتديًا الزي الأرثوذكسي، معلنًا أنه رئيس “مجمع كنيسة العذراء مريم لجميع الأقباط”
وهو كيان لم تسمع به أي كنيسة رسمية.
تضارب الهوية
المفارقة الأولى في شخصية بولس فرج الله تتجسد في تضارب هويته الدينية؛ إذ تكشف بطاقة شخصية متداولة أنه مسجّل بصفته “قس ورئيس قساوسة في الطائفة الإنجيلية بمنطقتي الخانكة وأبو زعبل”
بينما في خطاباته العلنية يظهر بصفته كاهنًا أرثوذكسيًا ورئيس كنائس. هذا التناقض أوقع كثيرين
في حيرة، وفتح باب الشكوك حول هدفه الأساسي من تغيير صفاته المتكررة.
بناء إمبراطورية وهمية
اعتمد فرج الله على مزيج من الزي الكهنوتي والخطاب الديني الجذاب لاستقطاب البسطاء
فأسس ثلاثة أماكن قدّمها باعتبارها كنائس، رغم غياب أي اعتراف كنسي بها. من خلال هذه الأماكن
جمع ملايين الجنيهات كتبرعات من أتباعه، مستغلًا رغبتهم في المشاركة في عمل روحي.
لكن مصادر محلية أكدت أن هذه الأموال كانت تصب في حساباته الشخصية وتُستخدم لتوسيع نفوذه.
آلاف الأتباع وطقوس غريبة
أكثر ما يثير القلق هو حجم التأثير الذي استطاع تحقيقه؛ إذ تشير تقديرات إلى أن عدد أتباعه
وصل إلى نحو خمسة آلاف شخص. لم يقتصر نشاطه على الصلوات، بل ابتدع طقوسًا خاصة به مثل
“طرد الشياطين” و”حلول الروح القدس”، الأمر الذي جذب إليه فئات تبحث عن الخلاص السريع والمعجزات.
هذه الممارسات صنفها كهنة ومراقبون باعتبارها أقرب إلى الشعوذة والدجل منها إلى الإيمان المسيحي.
صراعات قضائية
نشاطه الملتبس لم يمر دون احتكاك بالكنيسة الإنجيلية، التي دخل معها في نزاعات قضائية
وصلت إلى المحاكم، وأسفرت عن أحكام متباينة بين السجن والبراءة. هذه الصراعات أضافت
بعدًا قانونيًا جديدًا للقضية، لكنها لم تحدّ من نشاطه الميداني ولا من قدرته على كسب أتباع جدد.
شهادات تكشف المستور
شهادات متداولة من محيطه تكشف تفاصيل إضافية؛ إذ قال أحد المقربين إن سائقًا مرافقًا له يُدعى سيد محمد
أكد صراحة أنه “نصاب هدفه جمع الأموال”. كما لفت آخرون إلى أنه لا يرتدي الزي الكهنوتي كاملًا
بل يكتفي بصليب حول رقبته لإيهام الناس. هذه التفاصيل الصغيرة زادت من علامات الاستفهام
حول شخصيته وأهدافه.
الموقف الكنسي
في مواجهة هذا المشهد، أصدرت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بيانًا رسميًا نفت فيه أي صلة لها به، مؤكدة أن زيه غير معترف به وأنه ليس كاهنًا قبطيًا.
البيان لم يأتِ فقط لتوضيح الموقف، بل ليحذر أبناء الكنيسة من التعامل معه باعتباره كاهنًا
في ظل اتساع دائرة نشاطه وازدياد شعبيته بين بعض الفئات.

بولس فرج الله 
بولس فرج الله ينتحل صفة كاهن
فراغ قانوني واستغلال اجتماعي
القضية تسلّط الضوء على فراغ قانوني واضح، يتمثل في غياب تشريع يجرّم انتحال الزي الكهنوتي
لغير المصرح لهم.
هذا الغياب يفتح الباب أمام حالات مشابهة تستغل الإيمان البسيط لدى المواطنين لتحقيق مكاسب شخصية.
لذلك، يرى مراقبون أن الحل لا يكمن فقط في التحذيرات الكنسية، بل في تدخل تشريعي يضع حدًا لهذه الظاهرة ويحدد العقوبات بحق منتحلي الصفات الدينية.
خطورة على النفوس قبل الأموال
ورغم ما تكشفه القضية من خسائر مالية طائلة، تبقى خطورتها الكبرى في تأثيرها الروحي والاجتماعي.
فالأموال قد تُعوّض، لكن النفوس التي انساقت وراء شخصيات مضللة يصعب استردادها.
هنا يبرز سؤال جوهري حول دور الكهنة والرعاة في حماية أبناء الكنيسة من الانخداع بمثل هذه الظواهر
وحول مدى جاهزية المؤسسات الدينية للتعامل مع موجات التضليل الديني المعاصر.

بولس فرج الله شخص ينتحل صفة كاهن 
بولس فرج الله ينتحل صفة كاهن
أخيرا
بولس فرج الله ليس مجرد حالة فردية، بل نموذج صريح لخطورة استغلال الزي الديني وتعدد الهويات
من أجل النفوذ والمال.
وبينما تواصل الكنائس الرسمية التحذير من نشاطه، يبقى التدخل القانوني والرعوي الحاسم
ضرورة عاجلة قبل أن تتسع دائرة الكارثة.
جريدة الأهرام الجديد الكندية
