هاني صبري – الخبير القانوني والمحامي بالنقض
في ظل النقاشات المثارة حول مستقبل العمل التشريعي في البلاد، تبرز بعض التصريحات والمقترحات التي يطلقها أفراد يُصنفون أنفسهم ضمن النخب السياسية والفكرية، والتي للأسف تفتقر إلى الأسس الدستورية والقانونية السليمة.
ومن بين هذه الأطروحات غير الواقعية، الدعوة إلى مد فترة عمل مجلس النواب الحالي لمدة عام إضافي
أو نقل الاختصاص التشريعي إلى مجلس الشيوخ، وهي مقترحات لا تستند إلى أي سند قانوني
أو دستوري، بل تعكس غيابًا واضحًا للفهم الصحيح للشرعية الدستورية.
حيث إن الدستور المصري حدد بشكل قاطع في مادته (106) أن مدة ولاية مجلس النواب
هي خمس سنوات ميلادية تبدأ من تاريخ أول اجتماع له. ولا يوجد أي نص في الدستور يمنح رئيس الجمهورية
أو أي جهة أخرى الحق أو السلطة في مد هذه المدة بعد انتهائها. إن أي محاولة لمد فترة عمل المجلس
تعد انتهاكًا صارخًا للمبادئ الدستورية التي تضمن تداول السلطة والفصل بين السلطات.
نص الدستور بوضوح في المادة (101) على أن الاختصاص التشريعي هو حق أصيل لمجلس النواب.
ولا يخول الدستور، تحت أي ظرف، رئيس الجمهورية أو أي جهة أخرى، سلطة نقل هذا الاختصاص إلى مجلس الشيوخ أو أي هيئة أخرى، سواء كان ذلك بصفة مؤقتة أو وفق شروط معينة.
إن هذا النص يعكس مبدأ الفصل بين السلطات، وهو أحد الركائز الأساسية للدستور المصري.
لا تملك أي درجة من درجات التقاضي، بما في ذلك المحكمة الدستورية العليا، الحق في اتخاذ قرار بمد فترة عمل مجلس النواب بعد انتهاء مدته الدستورية أو نقل اختصاصه التشريعي إلى أي جهة أخرى لم ينص عليها الدستور.
القضاء هو حارس الشرعية الدستورية، لكنه غير مختص بتعديل أو تجاوز النصوص الدستورية.
في حالة غياب مجلس النواب لأي سبب (مثل الإجازة البرلمانية أو حل المجلس)، تنتقل سلطة التشريع مؤقتًا
إلى رئيس الجمهورية وفقًا لنص المادة (156) من الدستور. يحق لرئيس الجمهورية إصدار قرارات بقوانين
في هذه الحالة، بشرط عرضها على مجلس النواب الجديد خلال خمسة عشر يومًا من انعقاد أول جلسة له لمناقشتها والموافقة عليها، مما يعكس التوازن الدستوري بين السلطات.
وفي هذا السياق، يجب التأكيد على أن هناك استحقاقًا دستوريًا يتمثل في إجراء انتخابات مجلس النواب في مواعيدها المحددة، وهو أمر يتطلب تضافر كافة الجهود الوطنية لضمان خروج هذه الانتخابات بالشكل الأمثل
الذي يليق بمكانة مصر ويحقق طموحات كافة المصريين.
إن الالتزام بإجراء الانتخابات في موعدها هو تطبيق عملي لمبادئ الشرعية الدستورية وسيادة القانون
ويعكس احترام الدولة لمؤسساتها الدستورية ومواطنيها. وحتى كتابة هذه السطور
لم تصدر أي أحكام من المحكمة الإدارية العليا بشأن الطعون أو القضايا المتعلقة بانتخابات مجلس النواب المقبلة.
ومع اقتراب موعد هذا الاستحقاق الدستوري الهام، تظل الهيئة الوطنية للانتخابات
هي الجهة الوحيدة المختصة بالإشراف الكامل على العملية الانتخابية، بدءًا من وضع الجدول الزمني، مرورًا بإجراءات الترشح
ووصولًا إلى إعلان النتائج تحت إشراف قضائي كامل وفقًا لما نص عليه الدستور المصري.
إن هذه المبادئ الدستورية الواضحة لا تقبل التأويل أو الاجتهاد خارج إطار النصوص، وهي تضع حدودًا فاصلة
بين السلطات، بما يضمن استقرار النظام الدستوري وحماية الإرادة الشعبية. إن أي دعوات تتجاوز
هذه النصوص أو تقترح تعديلها بشكل تعسفي إنما تعبر عن افتقار إلى الالتزام بمبادئ الشرعية الدستورية
وتعد تهديدًا مباشرًا لسيادة القانون.دخول
جريدة الأهرام الجديد الكندية
