السبت , أبريل 27 2024
الكنيسة القبطية
ماجد كامل

الأنبا صموئيل المعترف وديره الأثري بمغاغة(597- 695 م)

بقلم / ماجد كامل

تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية يوم 8 كيهك من الشهر القبطي الموافق 17 ديسمبر من الشهر الميلادي بتذكار نياحة القديس الانبا صموئيل المعترف . وكلمة معترف المقصود بها القديس الذي تعذب من أجل العقيدة المسيحية دون أن يصل لدرجة الاستشهاد ؛ بمعني أنه عذب وجرح ولكنه لم يمت .

مولده

ولد الانبا صموئيل عام 597م من أبوين مسيحين تقيين ؛ أحسنا تربيته ؛ فعاش محبا للكنيسة وعقائدها ؛ وعندما كبر أراد والده أن يزوجه ؛ فرفض القديس بأصرار وأظهر له رغبته في الرهبنة ؛وبعد قليل توفيت والدته ولحقها بعدها والده ؛فقرر القديس التوجه إلي برية شهيت (منطقة وادي النطرون حاليا ) ووصل إلي المغارة التي يعيش فيها الانبا أغاثون أب رهبان المنطقة ؛ ففرح به الأنبا أغاثون ؛وبالفعل تتلمذ الأنبا صموئيل علي يد الانبا أغاثون ؛ وبعد ثلاث سنوات توفي الأنبا أغاثون ؛فخلفه الانبا صموئيل في رئاسة المنطقة ؛ وحدث في ذلك الوقت أن هجم المقوقس علي منطقة وادي النطرون ؛ وكان غرضه الرئيسي هو أن يجبر رهبان وادي النطرون علي قبول قرارات مجمع خلقدونية ( مجمع خلقدونية هو المجمع الذي علي أثره أنشق العالم المسيحي إلي كنائس غربية أعترفت بقرارات هذا المجمع ؛ وكنائس شرقية رفضت الاعتراف بقرارات هذا المجمع ؛ وكان محور الخلاف هو طبيعة السيد المسيح ) .

دير الأنبا صموئيل المعترف

فعندما تقابل الانبا صموئيل مع القائد الموفد من قبل المقوقس لإجبار الرهبان علي قبول قرارات مجمع خلقدونية ؛ صرخ فيه الانبا صموئيل قائلا ” ملعون مجمع خلقدونية ؛ وكل من يؤمن بعقيدته الفاسدة ؛ ونحن لا ندين بالولاء لغير أبينا العظيم الأنبا بنيامين “( البطريرك ال 38 ؛ وكان منفيا عن كرسيه في ذلك الوقت ؛ وعاد إليه علي يد عمرو بن العاص بعد دخول العرب مصر عام 641م ) فجن جنون القائد وقال له “أقسم بعظمة الأمبراطور أني ساقطع رؤوسكم جميعا أن لم تبادروا بالتوقيع علي هذه الرسالة ” فقال له القديس “أرني رسالتك هذه ” فظن القائد أنه أقتنع بكلامه وسوف يوقع عليها بالموافقة ؛ وماكاد الانبا صموئيل يمسك بالرسالة حتي مزقها وألقاها في وجه القائد ؛فعندما رأي القائد ما فعله الانبا صموئيل جن جنونه

وأمر بتعذيب القديس وضربه بالسياط ؛وأثناء الضرب أصيبت عينه اليسري ونزفت دما غزيرا حتي تم تصفيتها ” وهذا هو السبب في ظهور صوره بالأيقونات القبطية يعين واحدة ” ثم طرده من الدير ؛فظهر له ملاك الرب وحمله إلي برية النقلون “جهة الفيوم ” فخرج مع تلاميذه حتي وصل إلي هناك ؛ ولكن ما لبث جنود المقوقس أن تبعوه إلي هناك ؛ وقبضوا عليه وأحضروه أمام المقوقس وهو مكتوف اليدين ؛ وحاول المقوقس أن يجبره مرة أخري علي الاعتراف بقرارات مجمع خلقدونية ؛فرد عليه القديس “ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس ؛وينبغي لنا أن نطيع بطريركنا الانبا بنيامين ؛ لا أن نطيعك أيها المعاند وضد المسيح ” فقال له المقوقس “سأعذبك حتي تعرف كيف تتكلم جيدا مع البطريرك وحاكم مصر ”

دير الأنبا صموئيل

ثم أمر الجند بضربه وتعذيبه بشدة ؛ ولم يكتف بذلك بل أراد قتله لولا تدخل كبار رجال الفيوم الذين أستعطفوه أن يتركه وشأنه ؛فأمر المقوقس بطرد الانبا صموئيل من الدير ؛وقال له ” أن رأيتك غدا في هذا المكان فإنك موتا تموت ” فرحل مع تلاميذه من جبل النقلون بعد أن مكث فيه حوالي ثلاث سنوات ونصف ” وفيما هو هائم علي وجهه في الصحراء ظهر له ملاك الرب ونصحه أن يتوجه إلي منطقة جبل القلمون (نواحي مغاغة حاليا )؛وهناك وجد كنيسة قد تغطت بالرمال لأنه لم يدخلها أحد منذ مدة طويلة ؛فقام بتنظيفها ؛ووجد بجوارها قلالي “جمع قلاية وهي مكان سكن الرهبان ؛ وهي مشتقة من كلمة كيليا بمعني خلية باللغة اليونانية ؛ وجاءت منه كلمة Cell الإنجليزية ”

كان قد بناها الرهبان الذين أوفدهم القديس الانبا انطونيوس إلي هذه المنطقة لتعميرها والسكن فيها ؛فقام أيضا بتنظيفها . وسكن فيها الرهبان الذين حضروا معه . ولقد تعرض لهجوم البربر عليه مرتين ؛وفي المرة الثانية أسروه إلي منطقتهم وحاولوا أجباره علي الزواج من جارية ؛ ولكن الرب نجاه من يديهم ؛وقام بإجراء معجزات شفاء كثيرة لزوجة زعيم القبيلة ؛ حتي آمن زعيم القبيلة بالمسيحية ؛ وسأله ماذا تطلب مني مكافأة لك ؛ فرد عليه القديس ليس له إلا طلب واحد هو السماح له بالعودة إلي ديره بجبل القلمون ؛ وفي البداية رفض طلبه ؛ولكن إزاء إلحاح إصرار القديس علي طلبه وإلحاحه ؛وافق أخيرا علي السماح له بالعودة إلي ديره ؛ وبعد فترة قللية مرض بالحمي ؛ فجمع رهبان الدير وأعطاهم وصيته الأخيرة ؛ ثم تنيح بسلام يوم 8 كيهك عام 695 م ؛ وله من العمر حوالي 98 عاما قضي منها 74 عاما راهبا مجاهدا .

كلمة عن الدير

يبقي بعد ذلك كلمة عن الدير الأثري بمنطقة جبل القلمون ؛ وكلمة قلمون كلمة بونانية معناه بوص ؛إذ يكثر فيها نبات البردي الذي تصلح أعواده لصنع الأقلام للكتابة ؛ ولعل من كلمة قلمون اليونانية جاءت كلمة ” القلم ” العربية ومازال هذا النبات ينبت بالمنطقة الزراعية المحيطة بالدير حتي اليوم .

أما عن الدير نفسه ؛ فلقد كتب عنه أبو المكارم ( القرن الثاني عشر الميلادي 1178م تقريبا ) فقال ” يوجد به بيعة (أي كنيسة) علي أسم السيدة العدري ( العذراء) مرتمريم (مريم) هذه البيعة متسعة جدا رسمت في رابع عشر هتور (هاتور) وانبا صمويل رئيس هذا الدير ومدبره كان عالما ومعلما وله من التعاليم كثيرا وكشف الله له ما سيكون في آخر الزمان وتكلم به وكتب عنه وصح في وقته من الزمان كما تنبأ عنه ” كما وصف الدير وقال أنه يوجد به حديقة تقوم بزرع الزيتون وبعض الخصراوات .

وباب الدير مغطي بألواح الحديد .

كما يوجد به أربع منارات ؛ويحتوي علي 12 كنيسة . كما يوجد بالدير عين ماء .وكان عدد الرهبان وقتها (عام 1178م) حوالي 130 راهبا .

الأنبا صموئيل

كما ذكره ياقوت الرومي (1179-1229 ) في قاموسه الجغرافي وقال عنه أنه كان مشهورا ومعروفا للناس كافة . كما ذكره العلامة المقريزي (1442م القرن الخامس عشر ) في موسوعته الشهيرة فقال عنه ” هذا الدير في برية تحت عقبة القلمون ؛ يتوصل المسافر منها إلي الفيوم ؛وبني هذا الدير علي أسم صمويل الراهب وكان في زمان الفترة ما بين عيسي ؛ومحمد صلي الله عليه وسلم ؛ومات في تامن كيهك . وفي هذا الدير نخل كثير يعمل من تمر العجوة ؛وفيه أيضا شجر اللبخ ؛ ولا يوجد إلا فيه ؛وثمره بقدر الليمون ؛وطعمه حلو

وفي هذا الدير قصران مبنيان بالحجارة ؛وهما عاليان جدا ؛وفيه أيضا عين ماء تجري ؛وفي خارجه عين أخري ؛وبهذا الوادي عدة معابد قديمة ؛وخارج هذا الدير ملاحة يبيع الرهبان ملحها فيعم تلك الجهات ” .

كما أشار إليه الرحالة الفرنسي فانسليب ( 1635- 1679 ) فقال عنه ” بعيدا عن ذلك الشاطيء نفسه دير الطوباوي آبا صمويل علي جبل القلمون حيث صورة عجائبية للسيدة العذراء ” .

كما زار الدير العالم الإيطالي بلزوني (1778- 1823 ) عام 1819 ؛ فذكر عنه أنه لا أحد يسكنه من الرهبان .

وتوجد به بقايا كنيسة كبيرة جدا وبعض الصور لا يزال الحائط يحتفظ ببقاياه .

كما زاره أيضا العالم الشهير سومرز كلارك ( 1841- 1926 ) عام 1912 ؛وذكره ضمن الأديرة الثمانية الموجودة بمصر وقتها . كما ذكره أخيرا ك.ك .وولترز في كتاب “الأديرة الأثرية في مصر ” والتي صدرت له ترجمة عربية عن المشروع القومي للترجمة ؛ وقام بالترجمة إبراهيم سلامة إبراهيم ؛ فقال عنه في وصف حائط الدير ” أن ارتفاعه 8 متر ؛ ومن الواضح أنه محل سور قوي كان مبنيا من الطوب اللبن “.

ومن أحدث الكتب والمراجع التي كتبتت عن دير الأنبا صموئيل بمغاغة – في حدود معلوماتي – هو كتاب “المسيحية القبطية في ألفي عام ” للعالم الألماني “أوتو مينادرديس ” (1925- 2005 ) ترجمة الدكتور مجدي جرجس ؛ والصادر عن المركز القومي للترجمة تحت رقم (2353 ) حيث قال عنه ” من الناحية التاريخية ؛ينتمي دير الأنبا صموئيل بالقلمون إلي مجموعة أديرة الفيوم ؛ويقع الدير بالقرب من مجموعة أديرة الفيوم ؛ وهو امتداد للمنخفض الكبير الذي يشمل أقلبم الفيوم ووادي الريان ……. ويمكن تحديد تاريخ إقامة الدير بالقرن الرابع أو الخامس ؛ ودمر الدير في القرن التاسع أثناء بطريركية البابا شنودة الأول .

وأسترد الدير مكانته في القرن الثاني عشر ؛وصار من أهم المؤسسات الرهبانية في مصر؛ حيث نسمع عن أسوار ضخمة ؛ وحدائق باسقة ؛ وأثني عشر كنيسة؛ واربعة أبراج كبيرة ….. ويقول عنه ياقوت الرومي ( القرن الثالث عشر ) إن دير القلمون مشهور لدي الناس ؛ وهجر الدير في القرن الخامس عشر ؛ وأعيد تعميره عام 1898م ؛بواسطة الأب اسحاق البراموسي ومعه عشرة رهبان جاءوا من أديرة وادي النطرون ” ( راجع الفقرة بالكامل عن الدير في الكتاب المذكور صفحتي 269 ؛ 270 )

كلمة أخيرة

وتبقي كلمة أخيرة عن الآباء البطاركة الذين تخرجوا من هذا الدير ؛ وهما البابا تيموثاوس الثاني البطريرك ال ( 26 ) من بطاركة الكنيسة القبطية ؛ والبابا غبريال الخامس البطريرك ال ( 88 ) .

أما عن البابا تيموثاوس الثاني فهو أول بطريرك يأتي بعد مجمع خلقدونية (451م ) والذي ترتب عليه انشقاق الكنيسة كما ذكرنا سابقا ؛ ترهب في دير العذراء بجبل القلمون ؛وأنتخب بطريركا أثناء غياب الوالي الروماني ؛ فعندما حضر الوالي غضب غضبا شديدا وأمر بنفيه خارج الاسكندرية إلي جزيرة غنغرا .

وأستمر في المنفي حوالي 7 سنوات ؛وعندما مات الوالي وتولي مكانه والي جديد ؛توسط الشعب إليه لكي يعفو عنه ؛فوافق الوالي الجديد وبالفعل سمح له بالعودة إلي كرسيه بالاسكندرية ؛ ولقد توفي هذا البطريرك عام 477 م ؛ودفن في الكنيسة المرقسية بالاسكندرية .

أما البابا غبريال الخامس ؛ فلقد ترهب في دير القلامون ؛ ورسم بطريركا عام 1409م في عهد السلطان الناصر فرج بن برقوق ؛ولقد عاني كثيرا من الاضطهاد حتي لقب بمستوفي الجزية ؛ وفي مدة بطريركته فرغت خزانته من المال ؛ولكنه تحمل كل هذا بصبر عجيب ؛ ومكث علي كرسي البطريركية 17 سنة و8 شهور و12 يوما ؛ وتوفي في يوم 3 يناير 1427م في عهد السلطان الأشرف ودفن في كنيسة السيدة العذراء ببابليون الدرج بمصر القديمة .

شاهد أيضاً

المغرب

الــملــصـق المسرحي لمن ؟

نــجـيـب طــلال مـفارقات: أشرنا ما مرة، بأن هنالك ظواهر تخترق جسد المشهد المسرحي في المغرب، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.